الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في السورة الكريمة: قال عليه الرحمة:سورة القارعة:قوله جل ذكره: بسم الله الرحمن الرحيم{بسم الله} كلمة إذا سمعها العاصون نسوا زلتهم في جنب رحمته، وإذا سمعها العابدون نسوا صولتهم في جنب إلهيته.كلمة من سمعها ما غادرت له شغلا إلا كفته، ولا أمرا إلا أصلحته، ولا ذنبا إلا غفرته، ولا أربا إلا قضته.قوله جلّ ذكره: {القَارِعَةُ مَا القَارِعَةُ}.القارعةُ: اسمٌ من أسماء القيامة، وهي صيغة (فاعلة) من القَرْع، وهو الضربُ بشدَّة. سُمِّيت قارعة لأنها تقرعهم.{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}.تهويلًا لها.{يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}.أي: المُتَفَرِّق.وعند إعادتهم يركب بعضهم بعضًا.{وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمُنفُوشِ}.أي: كالصوف المصبوغ.والمعنى فيه: أن أصحابَ الدعاوى وأرباب القوة في الدنيا يكونون- في القيامة إذا بُعِثُوا- أضعفَ من كلِّ ضعيف؛ لأن القُوى هنالك تسقط، والدعاوى تَبْطُل.قوله جلّ ذكره: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ في عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ}.مَنْ ثقلت موازينهُ بالخيرات فهو في عيشة راضية؛ أي مَرْضية.ووزنُ الأعمالِ يومئذٍ يكون بوزن الصحف. ويقال: يخلق بَدَلَ كلَّ جزءٍ من أفعاله جوهرًا، وتُوزَنُ الجواهر ويكون ذلك وزن الأعمال.{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}.مَنْ خَفَّتْ موازينه من الطاعات- وهم الكفارُ- فمأواه هاوية.{وَمَآ أَدْرَاكَ مَاهِيَةْ نَارٌ حَامِيَةُ}.سؤالٌ على جهة التهويل. ولم يَرِدُ الخبرُ بأن الأحوال توزَن، ولكن يُجازَى كلُّ بحالةٍ مما هو كَسْبٌ له، أو وَصَلَ إلى أسبابها بكَسْبٍ منه. اهـ..قال الشنقيطي: قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}هذه الآية الكريمة تدل على أن الهاوية وصف لا علَم للنار إذ تنوينها ينافي كونها اسما من أسماء النار يلزم فيها المنع من الصرف للعلمية والتأنيث، وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} يدل على أن الهاوية من أسماء النار.اعلم أولا أنّ في معنى قوله تعالى: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} ثلاثة أوجه للعلماء، اثنان منها لا إشكال في الآية عليهما، والثالث هو الذي فيه الإشكال المذكور، أمّا اللذان لا إشكال في الآية عليهما فالأول منهما أن المعنى {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} أي أمّ رأسه هاوية في قعر جهنم؛ لأنه يطرح فيها منكوسا رأسه أسفل ورجلاه أعلا، وروي هذا القول عن قتادة وأبي صالح وعكرمة والكلبي وغيرهم، وعلى هذا القول فالضمير في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} عائد إلى محذوف دلّ عليه المقام أي أم رأسه هاوية في نار وما أدراك ما هيه نار حامية.والثاني: أنه من قول العرب إذا دعَوا على الرجل بالهلكة قالوا: (هوت أمه) لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه ثكلا وحزنا، ومن هذا المعنى قول كعب بن سعد الغنوي:وهذا القول رواية أخرى عن قتادة، وعلى هذا القول فالضمير في قوله: {هِيَهْ} للداهية التي دلّ عليها الكلام، وذكر الألوسي في تفسيره أن صاحب الكشف قال: إنّ هذا القول أحسن، وأن الطيبي قال: إنه أظهر، وقال هو: وللبحث فيه مجال.الثالث الذي فيه إشكال: أنّ المعنى {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} أي مأواه الذي يحيط به ويضمّه هاوية وهي النار؛ لأن الأمّ تؤوي ولدها وتضمّه، والنار تضمّ هذا العاصي وتكون مأواه.والجواب على هذا القول هو ما أشار له الألوسي في تفسيره من أنه نكّر الهاوية في محلّ التعريف لأجل الإشعار بخروجها عن المعهود للتفخيم والتهويل، ثم بعد إبهامها لهذه النكتة قرّرها بوصفها الهائل بقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ}.قال مقيده عفا الله عنه: هذا الجواب الذي ذكره الألوسي يدخل في حد نوع من أنواع البديع المعنوي يسمّيه علماء البلاغة التجريد، فحد التجريد عندهم هو أن ينتزع من أمر ذي صفة آخر مثله فيها مبالغة في كمالها فيه، وأقسامه معروفة عند البيانيين؛ فمنه ما يكون التجريد فيه بحرف نحو قولهم: (لي من فلان صديق حميم) أي بلغ من الصداقة حدا صح معه أن يستخلص منه آخر مثله فيها مبالغة في كمالها فيه، وقولهم: (لئن سألته لتسألن به البحر) بالغ في اتصافه بالسماحة حتى انتزع منه بحرا في السماحة، ومن التجريد بواسطة الحرف قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْد} وهو أشبه شيء بالآية التي نحن بصددها؛ لأن النار هي دار الخلد بعينها لكنه انتزع منها دارا أخرى وجعلها معدة في جهنم للكفار تهويلا لأمرها ومبالغة في اتصافها بالشدة، ومن التجريد ما يكون من غير توسط الحرف نحو قول قتادة بن سلمة الحنفي: يعني نفسه انتزع من نفسه كريما مبالغة في كرمه، فإذا عرفت هذا فالنار سميت الهاوية لغاية عمقها وبعد مهواها، فقد روي أن داخلها يهوي فيها سبعين خريفا، وخصها البعض بالباب الأسفل من النار فانتزع منها هاوية أخرى مثلها في شدة العمق وبعد المهوى مبالغة في عمقها وبعد مهواها، والعلم عند الله تعالى. اهـ. .فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:سورة القارعة:الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)قوله: {القارعة مَا القارعة} كقوله تعالى: {الحاقة مَا الحآقة} [الحاقة: 12] وكقوله: {وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين} [الواقعة: 27] وقد تقدَّما وقد عَرَفْتَ مِمَّا نقله مكي أنه يجوزُ رَفْعُ {القارعة} بفعلٍ مضمرٍ ناصبٍ لـ: {يومَ} وقيل: معنى الكلامِ على التحذير.قال الزجاج: والعرب تُحَذِّر وتُغْري بالرفع كالنصبِ. وأنشد:قلت: وقد تقدَّم ذلك في قوله: {نَاقَةَ الله} [الشمس: 13] فيمَنْ رفعَه. ويَدُلُّ على ذلك قراءة عيسى {القارعةَ ما القارعةَ} بالنصب، وهو بإضمارِ فعلٍ، أي: احذروا القارعةَ و(ما) زائدةٌ. والقارعةُ الثانيةُ تأكيدٌ للأولى تأكيدًا لفظيًا.{يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)} قوله: {يَوْمَ يَكُونُ}: في ناصبِه أوجهٌ، أحدها: مضمرٌ يَدُلُّ عليه {القارعةُ}، أي: تَقْرَعُهم يومَ يكون.وقيل: تقديرُه: تأتي القارعةُ يومَ.الثاني: أنَّه (اذْكُرْ) مقدَّرًا فهو مفعولٌ به لا ظرفٌ.الثالث: أنَّه {القارعة} قاله ابنُ عطية وأبو البقاء ومكي.قال الشيخ: فإنْ كان يعني ابنُ عطيةَ عني اللفظَ الأولَ فلا يجوزُ للفَصْلِ بين العاملِ، وهو في صلةِ أل، والمعمولِ بأجنبيٍ وهو الخبرُ، وإن جَعَلَ القارعةَ عَلَمًا للقيامة فلا يعملُ أيضًا، وإنْ عنى الثاني والثالثَ فلا يَلْتَئِمُ معنى الظرفيةِ معه. الرابع: أنه فعلٌ مقدرٌ رافعٌ للقارعةِ الأولى، كأنه قيل: تأتي القارعةُ يومَ يكون، قال مكيٌّ. وعلى هذا فيكونُ ما بينهما اعتراضًا وهو بعيدٌ جدًا منافرٌ لنَظْم الكلام.وقرأ زيد بن علي {يومُ} بالرفع خبرًا لمبتدأ محذوفٍ، أي: وقتُها يومُ يكونُ.قوله: {كالفراش} يجوزُ أَنْ يكونَ خبرًا للناقصةِ، وأَنْ يكونَ حالًا مِنْ فاعلِ التامَّةِ، أي: يُوْجَدُون ويُحْشَرونَ شِبْهَ الفَراشَ، وهو طائرٌ معروفٌ وقيل: هو الهَمَجُ من البعوضِ والجَرادِ وغيرهما، وبه يُضْرَبُ المَثَلُ في الطَّيْشِ والهَوَجِ يقال: (أَطَيْشُ مِنْ فَراشة) وأُنْشد: وقال آخر: والفَراشةُ: الماءُ القليل في الإِناءِ، وفَراشة القُفْلِ لشَبَهها بالفَراشة. وفي تشبيه الناسِ بالفَراشِ مبالغاتٌ شتى منها: الطيشُ الذي يلْحَقُهم، وانتشارُهم في الأرض، ورُكوبُ بعضِهم بعضًا، والكثرةُ والضَّعْفُ والذِّلَّةُ والمجيءُ مِنْ غيرِ ذَهابٍ. والقَصْدُ إلى الداعي من كل جهةٍ، والتطايرُ إلى النار.قال جرير: والعِهْنُ تقدَّم في سأل.{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)}قوله: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}: أي: هالكةٌ، وهذا مَثَلٌ. يقولون لمَنْ هَلَكَ: (هَوَتْ أمُّه) لأنه إذا هَلَكَ سَقَطَتْ أمُّه ثُكْلًا وحُزْنًا. وعليه قول الشاعر: وقرأ طلحة {فإمُّه} بكسرِ الهمزة. نَقَل ابنُ خالَوَيْه عن ابنِ دريد أنها لغةٌ. والنحويون لا يُجيزون ذلك إلاَّ إذا تقدَّمها كسرةٌ أو ياءٌ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في سورةِ النساء، واختلافُ القراء فيه.{وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)}قوله: {مَا هِيَهْ}: مبتدأ وخبرٌ سادَّان مَسَدَّ المفعولَيْن لـ: {أَدْراك} وهو من التعليقِ و(هي) ضميرُ الهاويةِ، إنْ كانت الهاويةَُ كما قيل اسمًا لـ: دَرَكَةٍ مِنْ دَرَكاتِ النار، وإلاَّ عادَتْ على الداهية المفهومةِ من الهاويةِ. وأسقط هاءَ السكتِ حمزةُ وَصْلًا. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في الحاقة. و{نارٌ} خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي نارٌ. اهـ.
|